هل تقبلين الزواج بي؟

 



 

– سيدي، ماذا تطلب؟ سيدي؟

 

– عذرًا، شردت قليلاً... فنجان شاي من فضلك

 

كان "قادر" متوترًا إلى درجة أنه لم يسمع صوت النادل وهو يناديه مرارًا. للمرة الأولى في حياته، يجلس في مقهى بانتظار شخص لا يعرفه. حاول أن يبدو هادئًا، لكنه كان يشعر بأن توتره ظاهر للجميع.

ما يشعر به لم يكن فقط بسبب لقائه بفتاة للمرة الأولى، فقد مر بتجارب سابقة، منها صديقات وحتى زواج لم يُكتب له الاستمرار. لكن هذه المرة كانت مختلفة تمامًا.

 

في الماضي، كانت العلاقات تبدأ بنظرات الإعجاب، ثم يمضي كل شيء حسبما تجري الرياح. قيل له مرارًا إن الأمور الأخرى تُحل مع الوقت، لكن "الأمور الأخرى" هذه كانت في الحقيقة الحياة كلها. نعم، قد يُعجب اثنان ببعضهما، لكن هل القيم، والمبادئ، والأولويات في الحياة تتطابق؟

الإعجاب يذوب مع الزمن، أما الحب فيحتاج إلى عمق، إلى تفاهم، إلى توافق.

وقد تعلم "قادر" هذا الدرس من زواجه الأول. حاول أن يُصلح، أن يُغيّر، أن يُقاتل لأجل استمرار العلاقة، لكنه أدرك في النهاية أن الأمر لا ينجح من طرف واحد. لو كان الحوار الصادق قد بدأ منذ البداية، ربما اختلفت النتيجة.

 

ظل "قادر" وحيدًا لفترة طويلة. لكنه اليوم يفكر جديًا في الزواج مجددًا، ولكن بمنظور مختلف. لم يعد يبحث عن الجمال الخارجي، بل عن جمال الروح.

ما يريده من شريكة حياته أصبح غير ملموس، بل أعمق.

فقد تعلّم – وإن كان بثمن – أن الجمال الحقيقي لا يُقاس بالمظهر، بل بالروح، بالفهم، بالاحتواء.

 

أخبره أصدقاؤه عن فتاة تُدعى "أيلين"، وأصروا أن يتعرف عليها، مؤكدين أن نظرتها للحياة تشبه نظرته كثيرًا. وافق أخيرًا، رغم تردده.

وكان هذا اللقاء الأول.

 

لم يكن يعرف ماذا يقول أو كيف يتصرف، شعر وكأنه مراهق في أول موعد له. "أيلين" أيضًا لم تكن بحال أفضل. طوال الطريق، كانت تفكر: "بماذا سنتحدث؟"

والحقيقة أن كليهما كان يعرف تمامًا ما يبحث عنه، لكن البداية دائمًا هي الأصعب.

 

حين التقيا، تلاشت التوترات. كانت تحية عادية، تلتها دقائق من الحديث العميق، الذي مر زمان كأنه لحظة.

وعندما افترقا، وجد "قادر" نفسه يفكر في كل كلمة قيلت. لم يسبق له أن تحدث مع أحد بهذا العمق.

لم يشعر أنه أمام شخص غريب، بل أمام صديقة قديمة يعرفها منذ زمن بعيد.

تطابقت أفكارهما، أحلامهما، وحتى صمتهما كان مفهومًا ومتبادلاً. كم كان الأمر جميلاً وبسيطًا!

 

بعد عدة لقاءات، قررا الزواج. شعر كل منهما وكأنه وجد القطعة الناقصة من أحجيته.

كانا يُكملان بعضهما، يسدان الثغرات، ويفهمان الحاجة دون شرح.

ثم جاء الطفل ليكون ثمرة هذا الانسجام. وكان كل منهما أبًا وأمًا كما ينبغي، لا يكتفيان بتربية طفل، بل بإعداده للحياة.

 

يقول علم تصميم الخبرات

"من يسيرون في نفس الاتجاه، يلتقون حتى لو كانوا غرباء. ومن يختلفون في الاتجاه، يفترقون حتى لو كانوا أقرباء."

 

فكم مرة نتوافق حقًا مع من حولنا؟ مع شركائنا، عائلاتنا، أصدقائنا؟

وكم من العلاقات تُبنى على ملء الفراغ، لا على تكميل النقص الحقيقي؟

 

فلنكن من أولئك الذين يسيرون في الاتجاه ذاته، ويجدون في الآخر الجزء الذي يكتمل به المعنىالنَّجَاح.

Yorumlar

Yorum Gönder